فصل: باب إِتْمَامِ التَّكْبِيرِ فِي الرُّكُوعِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب فَضْلِ التَّأْمِينِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل التأمين‏)‏ أورد فيه رواية الأعرج لأنها مطلقة غير مقيدة بحال الصلاة‏.‏

قال ابن المنير‏:‏ وأي فضل أعظم من كونه قولا يسيرا لا كلفه فيه، ثم قد ترتبت عليه المغفرة ا هـ‏.‏

‏"‏ 1258 ‏"‏ ويؤخذ منه مشروعية التأمين لكل من قرأ الفاتحة سواء كان داخل الصلاة أو خارجها لقوله ‏"‏ إذا قال أحدكم ‏"‏ لكن في رواية مسلم من هذا الوجه ‏"‏ إذا قال أحدكم في صلاته ‏"‏ فيحمل المطلق على المقيد‏.‏

نعم في رواية همام عن أبي هريرة عند أحمد - وساق مسلم إسنادها - ‏"‏ إذا أمن القارئ فأمنوا ‏"‏ فهذا يمكن حمله على الإطلاق فيستحب التأمين إذا أمن القارئ مطلقا لكل من سمعه من مصل أو غيره‏.‏

ويمكن أن يقال‏:‏ المراد بالقارئ الإمام إذا قرأ الفاتحة‏.‏

فإن الحديث واحد اختلفت ألفاظه‏.‏

واستدل به بعض المعتزلة على أن الملائكة أفضل من الآدميين، وسيأتي البحث في ذلك في ‏"‏ باب الملائكة ‏"‏ من بدء الخلق إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب جَهْرِ الْمَأْمُومِ بِالتَّأْمِينِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب جهر المأموم بالتأمين‏)‏ كذا للأكثر‏.‏

وفي رواية المستملي والحموي ‏"‏ جهر الإمام بآمين ‏"‏ والأول هو الصواب لئلا يتكرر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا قَالَ الْإِمَامُ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُعَيْمٌ الْمُجْمِرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏مولى أبي بكر‏)‏ أي ابن عبد الرحمن بن الحارث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا قال الإمام الخ‏)‏ استدل به على أن الإمام لا يؤمن، وقد تقدم البحث فيه قبل، قال الزين بن المنير‏:‏ مناسبة الحديث للترجمة من جهة أن في الحديث الأمر بقول آمين، والقول إذا وقع به الخطاب مطلقا حمل على الجهر، ومتى أريد به الإسرار أو حديث النفس قيد بذلك‏.‏

وقال ابن رشيد‏:‏ تؤخذ المناسبة منه من جهات‏:‏ منها أنه قال ‏"‏ إذا قال الإمام فقولوا ‏"‏ فقابل القول بالقول، والإمام إنما قال ذلك جهرا فكان الظاهر الاتفاق في الصفة‏.‏

ومنها أنه قال ‏"‏ فقولوا ‏"‏ ولم يقيده بجهر ولا غيره، وهو مطلق في سياق الإثبات، وقد عمل به في الجهر بدليل ما تقدم يعني في مسألة الإمام، والمطلق إذا عمل به في صورة لم يكن حجة في غيرها باتفاق‏.‏

ومنها أنه تقدم أن المأموم مأمور بالاقتداء بالإمام، وقد تقدم أن الإمام يجهر فلزم جهره بجهره ا هـ‏.‏

وهذا الأخير سبق إليه ابن بطال، وتعقب بأنه يستلزم أن يجهر المأموم بالقراءة لأن الإمام جهر بها، لكن يمكن أن ينفصل عنه بأن الجهر بالقراءة خلف الإمام قد نهى عنه، فبقي التأمين داخلا تحت عموم الأمر باتباع الإمام، ويتقوى ذلك بما تقدم عن عطاء أن من خلف ابن الزبير كانوا يؤمنون جهرا، وروى البيهقي من وجه آخر عن عطاء قال ‏"‏ أدركت مائتين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد إذا قال الإمام ولا الضالين سمعت لهم رجة بآمين‏"‏‏.‏

والجهر للمأموم ذهب إليه الشافعي في القديم وعليه الفتوى‏.‏

وقال الرافعي‏:‏ قال الأكثر في المسألة قولان أصحهما أنه يجهر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه محمد بن عمرو‏)‏ أي علقمة الليثي، ومتابعته وصلها أحمد والدارمي عن يزيد بن هارون وابن خزيمة من طريق إسماعيل بن جعفر والبيهقي من طريق النضر بن شميل ثلاثتهم عن محمد بن عمرو نحو رواية سمي عن أبي صالح‏.‏

وقال في روايته ‏"‏ فوافق ذلك قول أهل السماء‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونعيم المجمر‏)‏ بالرفع عطفا على محمد بن عمرو، وأغرب الكرماني فقال‏:‏ حاصله أن سميا ومحمد بن عمرو ونعيما ثلاثتهم روى عنهم مالك هذا الحديث، لكن الأول والثاني رويا عن أبي هريرة بالواسطة ونعيم بدونها، وهذا جزم منه بشيء لا يدل عليه السياق، ولم يرو مالك طريق نعيم ولا طريق محمد بن عمرو أصلا، وقد ذكرنا من وصل طريق محمد، وأما طريق نعيم فرواها النسائي وابن خزيمة والسراج وابن حبان وغيرهم من طريق سعيد بن أبي هلال عن نعيم المجمر قال ‏"‏ صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن حتى بلغ ولا الضالين فقال آمين وقال الناس آمين، ويقول كلما سجد الله أكبر، وإذا قام من الجلوس في الاثنتين قال الله أكبر، ويقول إذا سلم‏:‏ والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ بوب النسائي عليه ‏"‏ الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ‏"‏ وهو أصح حديث ورد في ذلك، وقد تعقب استدلاله باحتمال أن يكون أبو هريرة أراد بقوله ‏"‏ أشبهكم ‏"‏ أي في معظم الصلاة لا في جميع أجزائها، وقد رواه جماعة غير نعيم عن أبي هريرة بدون ذكر البسملة كما سيأتي قريبا، والجواب أن نعيما ثقة فتقبل زيادته، والخبر ظاهر في جميع الأجزاء فيحمل على عمومه حتى يثبت دليل يخصصه‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ عرف مما ذكرناه أن متابعة نعيم في أصل إثبات التأمين فقط، بخلاف متابعة محمد بن عمرو، والله أعلم‏.‏

*3*باب إِذَا رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا ركع دون الصف‏)‏ كان اللائق إيراد هذه الترجمة في أبواب الإمامة، وقد سبق هناك ترجمة ‏"‏ المرأة وحدها تكون صفا ‏"‏ وذكرت هناك أن ابن بطال استدل بحديث أنس المذكور فيه في صلاة أم سليم لصحة صلاة المنفرد خلف الصف إلحاقا للرجل بالمرأة، ثم وجدته مسبوقا بالاستدلال به عن جماعة من كبار الأئمة، لكنه متعقب، وأقدم من وقفت على كلامه ممن تعقبه ابن خزيمة فقال‏:‏ لا يصح الاستدلال به لأن صلاة المرء خلف الصف وحده منهي عنها باتفاق ممن يقول تجزئه أو لا تجزئه، وصلاة المرأة وحدها إذا لم يكن هناك امرأة أخرى مأمور بها باتفاق، فكيف يقاس مأمور على منهي‏؟‏ والظاهر أن الذي استدل به نظر إلى مطلق الجواز حملا للنهي على التنزيه والأمر على الاستحباب‏.‏

وقال ناصر الدين ابن المنير‏:‏ هذه الترجمة مما نوزع فيها البخاري حيث لم يأت‏:‏ بجواب ‏"‏ إذا ‏"‏ لإشكال الحديث واختلاف العلماء في المراد بقوله ‏"‏ ولا تعد‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ الْأَعْلَمِ وَهُوَ زِيَادٌ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَاكِعٌ فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الأعلم هو زياد‏)‏ في رواية عن عفان عن همام حدثنا زياد الأعلم أخرجه ابن أبي شيبة، وزياد هو ابن حسان بن قرة الباهلي من صغار التابعين، قيل له الأعلم لأنه كان مشقوق الشفة، والإسناد كله بصريون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الحسن‏)‏ هو البصري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي بكرة‏)‏ هو الثقفي، وقد أعله بعضهم بأن الحسن عنعنه، وقيل إنه لم يسمع من أبي بكرة وإنما يروى عن الأحنف عنه، ورد هذا الإعلال برواية سعيد بن أبي عروبة عن الأعلم قال ‏"‏ حدثني الحسن أن أبا بكرة حدثه ‏"‏ أخرجه أبو داود والنسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية سعيد المذكورة ‏"‏ أنه دخل المسجد ‏"‏ زاد الطبراني من رواية عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه ‏"‏ وقد أقيمت الصلاة فانطلق يسعى ‏"‏ وللطحاوي من رواية حماد بن سلمة عن الأعلم ‏"‏ وقد حفزه النفس‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فذكر ذلك‏)‏ في رواية حماد عند الطبراني ‏"‏ فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ أيكم دخل الصف وهو راكع‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏زادك الله حرصا‏)‏ أي على الخير، قال ابن المنير صوب النبي صلى الله عليه وسلم فعل أبي بكرة من الجهة العامة وهي الحرص على إدراك فضيلة الجماعة، وخطأه من الجهة الخاصة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا تعد‏)‏ أي إلى ما صنعت من السعي الشديد ثم الركوع دون الصف ثم من المشي إلى الصف، وقد ورد ما يقتضي ذلك صريحا في طرق حديثه كما تقدم بعضها‏.‏

وفي رواية عبد العزيز المذكورة ‏"‏ فقال من الساعي ‏"‏ وفي رواية يونس بن عبيد عن الحسن عن الطبراني ‏"‏ فقال أيكم صاحب هذا النفس‏؟‏ قال‏:‏ خشيت أن تفوتني الركعة معك ‏"‏ وله من وجه آخر عنه في آخر الحديث ‏"‏ صل ما أدركت واقض ما سبقك ‏"‏ وفي رواية حماد عند أبي داود وغيره ‏"‏ أيكم الراكع دون الصف ‏"‏ وقد تقدم من روايته قريبا ‏"‏ أيكم دخل نصف وهو راكع ‏"‏ وتمسك المهلب بهذه الرواية الأخيرة فقال‏:‏ إنما قال له ‏"‏ لا تعد ‏"‏ لأنه مثل بنفسه في مشيه راكعا لأنها كمشية البهائم ا ه‏.‏

ولم ينحصر النهي في ذلك كما حررته، ولو كان منحصرا لاقتضى ذلك عدم الكراهة في إحرام المنفرد خلف الصف، وقد تقدم نقل الاتفاق على كراهيته، وذهب إلى تحريمه أحمد وإسحاق وبعض محدثي الشافعية كابن خزيمة، واستدلوا بحديث وابصة بن معبد ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة ‏"‏ أخرجه أصحاب السنن وصححه أحمد وابن خزيمة وغيرهما‏.‏

ولابن خزيمة أيضا من حديث علي بن شيبان نحوه وزاد ‏"‏ لا صلاة لمنفرد خلف الصف ‏"‏ واستدل الشافعي وغيره بحديث أبي بكرة على أن الأمر في حديث وابصة للاستحباب لكون أبي بكرة أتى بجزء من الصلاة خلف الصف ولم يؤمر بالإعادة، لكن نهى عن العود إلى ذلك، فكأنه أرشد إلى ما هو الأفضل‏.‏

وروى البيهقي من طريق المغيرة عن إبراهيم فيمن صلى خلف الصف وحده فقال‏:‏ صلاته تامة وليس له تضعيف، وجمع أحمد وغيره بين الحديثين بوجه آخر، وهو أن حديث أبي بكرة مخصص لعموم حديث وابصة، فمن ابتدأ الصلاة منفردا خلف الصف ثم دخل في الصف قبل القيام من الركوع لم تجب عليه الإعادة كما في حديث أبي بكرة، وإلا فتجب على عموم حديث وابصة وعلي بن شيبان‏.‏

واستنبط بعضهم من قوله ‏"‏ لا تعد ‏"‏ أن ذلك الفعل كان جائزا ثم ورد النهي عنه بقوله لا تعد، فلا يجوز العود إلى ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وهذه طريقة البخاري في ‏"‏ جزء القراءة خلف الإمام ‏"‏ ويؤخذ مما حررته جواب من قال‏:‏ لم لا دعا له بعدم العود إلى ذلك كما دعا له بزيادة الحرص‏؟‏ وأجاب بأنه جوز أنه ربما تأخر في أمر يكون أفضل من إدراك أول الصلاة ا ه‏.‏

وهو مبني على أن النهي إنما وقع عن التأخير وليس كذلك‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قوله ‏"‏ ولا تعدل ‏"‏ ضبطناه في جميع الروايات بفتح أوله وضم العين من العود، وحكى بعض شراح المصابيح أنه روى بضم أوله وكسر العين من الإعادة، ويرجح الرواية المشهورة ما تقدم من الزيادة في آخره عند الطبراني ‏"‏ صل ما أشركت واقض ما سبقك ‏"‏ وروى الطحاوي بإسناد حسن عن أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ إذا أتى أحدكم الصلاة فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف ‏"‏ واستدل بهذا الحديث على استحباب موافقة الداخل للإمام على أي حال وجده عليها، وقد ورد الأمر بذلك صريحا في سنن سعيد بن منصور من رواية عبد العزيز بن رفيع عن أناس من أهل المدينة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ من وجدني قائما أو راكعا أو ساجدا فليكن معي على الحال التي أنا عليها ‏"‏ وفي الترمذي نحوه عن علي ومعاذ بن جبل مرفوعا وفي إسناده ضعف، لكنه ينجبر بطريق سعيد بن منصور المذكورة‏.‏

*3*باب إِتْمَامِ التَّكْبِيرِ فِي الرُّكُوعِ

قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إتمام التكبير في الركوع‏)‏ أي مده بحيث ينتهي بتمامه، أو المراد إتمام عدد تكبيرات الصلاة بالتكبير في الركوع قاله الكرماني‏.‏

قلت‏:‏ ولعله أراد بلفظ الإتمام الإشارة إلى تضعيف ما رواه أبو داود من حديث عبد الرحمن بن أبزى قال ‏"‏ صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلم يتم التكبير ‏"‏ وقد نقل البخاري في التاريخ عن داود الطيالسي أنه قال‏:‏ هذا عندنا باطل‏.‏

وقال الطبري والبزار‏:‏ تفرد به الحسن بن عمران وهو مجهول، وأجيب على تقدير صحته بأنه فعل ذلك لبيان الجواز، أو المراد لم يتم الجهر به أو لم يمده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قاله ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي الإتمام ومراده أنه قال ذلك بالمعنى، لأنه أشار بذلك إلى حديثه الموصول في آخر الباب الذي بعده وفيه قوله لعكرمة لما أخبره عن الرجل الذي كبر في الظهر ثنتين وعشرين تكبيرة ‏"‏ إنها صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فيستلزم ذلك أنه نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم إتمام التكبير، لأن الرباعية لا يقع فيها لذاتها أكثر من ذلك، ومن لازم ذلك التكبير في الركوع‏.‏

وهذا يبعد الاحتمال الأول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفيه مالك بن الحويرث‏)‏ أي يدخل في الباب حديث مالك، وقد أورده المؤلف بعد أبواب في ‏"‏ باب المكث بين السجدتين ‏"‏ ولفظه ‏"‏ فقام ثم ركع فكبر‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ صَلَّى مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ ذَكَّرَنَا هَذَا الرَّجُلُ صَلَاةً كُنَّا نُصَلِّيهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَفَعَ وَكُلَّمَا وَضَعَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا خالد‏)‏ هو الطحان، والجريري هو سعيد، وأبو العلاء هو يزيد بن عبد الله بن الشخير أخو مطرف الذي روى هذا الحديث عنه، والإسناد كله بصريون وفيه رواية الأقران والإخوة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صلى‏)‏ أي عمران ‏(‏مع علي‏)‏ أي ابن أبي طالب ‏(‏بالبصرة‏)‏ يعني بعد وقعة الجمل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذكرنا‏)‏ بتشديد الكاف وفتح الراء، وفيه إشارة إلى أن التكبير الذي ذكره كان قد ترك، وقد روى أحمد والطحاوي بإسناد صحيح عن أبي موسى الأشعري قال ‏"‏ ذكرنا علي صلاة كنا نصليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إما نسيناها وإما تركناها عمدا ‏"‏ ولأحمد من وجه آخر عن مطرف قال‏:‏ قلنا - يعني لعمران بن حصين - يا أبا نجيد، هو بالنون والجيم مصغر، من أول من ترك التكبير‏؟‏ قال‏:‏ عثمان بن عفان حين كبر وضعف صوته‏.‏

وهذا يحتمل إرادة ترك الجهر‏.‏

وروى الطبراني عن أبي هريرة أن أول من ترك التكبير معاوية‏.‏

وروى أبو عبيد أن أول من تركه زياد‏.‏

وهذا لا ينافي الذي قبله لأن زيادا تركه بترك معاوية، وكأن معاوية تركه بترك عثمان‏.‏

وقد حمل ذلك جماعة من أهل العلم على الإخفاء، ويرشحه حديث أبي سعيد الآتي في ‏"‏ باب يكبر وهو ينهض من السجدتين‏"‏، لكن حكى الطحاوي أن قوما كانوا يتركون التكبير في الخفض دون الرفع، قال‏:‏ وكذلك كانت بنو أمية تفعل، وروى ابن المنذر نحوه عن ابن عمر وعن بعض السلف أنه كان لا يكبر سوى تكبيرة الإحرام، وفرق بعضهم بين المنفرد وغيره، ووجهه بأن التكبير شرع للإيذان بحركة الإمام فلا يحتاج إليه المنفرد، لكن استقر الأمر على مشروعية التكبير في الخفض والرفع لكل مصل، فالجمهور على ندبية ما عدا تكبيرة الإحرام‏.‏

وعن أحمد وبعض أهل العلم بالظاهر يجب كله صلى الله عليه وسلم قال ناصر الدين بن المنير‏:‏ الحكمة في مشروعية التكبير في الخفض والرفع أن المكلف أمر بالنية أول الصلاة مقرونة بالتكبير، وكان من حقه أن يستصحب النية إلى آخر الصلاة، فأمر أن يجدد العهد في أثنائها بالتكبير الذي هو شعار النية صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كلما رفع وكلما وضع‏)‏ هو عام في جميع الانتقالات في الصلاة، لكن خص منه الرفع من الركوع بالإجماع فإنه شرع فيه التحميد، وقد جاء بهذا اللفظ العام أيضا من حديث أبي هريرة في الباب، ومن حديث أبي موسى الذي ذكرناه عند أحمد والنسائي، ومن حديث ابن مسعود عن الدارمي والطحاوي، ومن حديث ابن عباس في الباب الذي بعده، ومن حديث ابن عمر عند أحمد والنسائي، ومن حديث عبد الله بن زيد عند سعيد بن منصور، ومن حديث وائل بن حجر عند ابن حبان، ومن حديث جابر عند البزار، وسيأتي مفسرا من حديث أبي هريرة فيه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ فَإِذَا انْصَرَفَ قَالَ إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله في حديث أبي هريرة ‏(‏يصلي بهم‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ يصلي لهم‏"‏‏.‏

*3*باب إِتْمَامِ التَّكْبِيرِ فِي السُّجُودِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إتمام التكبير في السجود‏)‏ فيه ما تقدم في الذي قبله‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ فَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ كَبَّرَ وَإِذَا نَهَضَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ أَخَذَ بِيَدِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ فَقَالَ قَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلَاةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ لَقَدْ صَلَّى بِنَا صَلَاةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حماد‏)‏ هو ابن زيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صليت خلف علي بن أبي طالب أنا وعمران‏)‏ استدل به على أن موقف الاثنين يكون خلف الإمام خلافا لمن قال يجعل أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، وفيه نظر لأنه ليس فيه أنه لم يكن معهما غيرهما‏.‏

وقد تقدم أن ذلك كان بالبصرة وكذا رواه سعيد بن منصور من رواية حميد بن هلال عن عمران، ووقع لأحمد من طريق سعيد بن أبي عروبة عن غيلان بالكوفة، وكذا لعبد الرزاق عن معمر عن قتادة وغير واحد عن مطرف، فيحتمل أن يكون ذلك وقع منه بالبلدين، وقد ذكره في رواية أبي العلاء بصيغة العموم وهنا بذكر السجود والرفع والنهوض من الركعتين فقط ففيه إشعار بأن هذه المواضع الثلاثة هي التي كان ترك التكبير فيها حتى تذكرها عمران بصلاة علي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد ذكرني‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ لقد ذكرني‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو قال‏)‏ هو شك من أحد رواته، ويحتمل أن يكون من حماد فقد رواه أحمد من رواية سعيد بن أبي عروبة بلفظ ‏"‏ صلى بنا هذا مثل صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ولم يشك‏.‏

وفي رواية قتادة عن مطرف قال عمران ‏"‏ ما صليت منذ حين أو منذ كذا وكذا أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الصلاة ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ ترك النكير على من ترك التكبير يدل على أن السلف لم يتلقوه على أنه ركن من الصلاة، وأشار الطحاوي إلى أن الإجماع استقر على أن من تركه فصلاته تامة، وفيه نظر لما تقدم عن أحمد، والخلاف في بطلان الصلاة بتركه ثابت في مذهب مالك إلا أن يريد إجماعا سابقا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ رَأَيْتُ رَجُلًا عِنْدَ الْمَقَامِ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَإِذَا قَامَ وَإِذَا وَضَعَ فَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أو ليس تِلْكَ صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أُمَّ لَكَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي بشر‏)‏ صرح سعيد بن منصور عن هشيم بأن أبا بشر حدثه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رأيت رجلا عند المقام‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ صليت خلف شيخ بالأبطح ‏"‏ والأولى أصح، إلا أن يكون المراد بالأبطح البطحاء التي تفرش في المسجد، وسيأتي في أول الباب الذي بعده بلفظ ‏"‏ صليت خلف شيخ بمكة ‏"‏ وأنه سماه في بعض الطرق أبا هريرة، واتفقت هذه الروايات على أنه رآه بمكة، وللسراج من طريق حبيب بن الزبير عن عكرمة ‏"‏ رأيت رجلا يصلي في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فإن لم يحمل على التجوز وإلا فهي شاذة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو ليس تلك صلاة النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ هو استفهام إنكار للإنكار المذكور، ومقتضاه الإثبات لأنه نفى النفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا أم لك‏)‏ هي كلمة تقولها العرب عند الزجر، وكذا قوله في الرواية التي بعدها ‏"‏ ثكلتك أمك ‏"‏ فكأنه دعا عليه أن يفقد أمه أو أن تفقده أمه، لكنهم قد يطلقون ذلك ولا يريدون حقيقته‏.‏

واستحق عكرمة ذلك عند ابن عباس لكونه نسب ذلك الرجل الجليل إلى الحمق الذي هو غاية الجهل وهو بريء من ذلك‏.‏

*3*بَاب التَّكْبِيرِ إِذَا قَامَ مِنْ السُّجُودِ

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ شَيْخٍ بِمَكَّةَ فَكَبَّرَ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّهُ أَحْمَقُ فَقَالَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ مُوسَى حَدَّثَنَا أَبَانُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏صليت خلف شيخ‏)‏ زاد سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عند الإسماعيلي ‏"‏ الظهر ‏"‏ وبذلك يصح عدد التكبير الذي ذكره، لأن في كل ركعة خمس تكبيرات فيقع في الرباعية عشرون تكبيرة مع تكبيرة الافتتاح وتكبيرة القيام من التشهد الأول، ولأحمد والطحاوي والطبراني من طريق عبد الله الداناج وهو بالنون والجيم الخفيفتين عن عكرمة قال ‏"‏ صلى بنا أبو هريرة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال موسى‏)‏ هو ابن إسماعيل راوي الحديث عن همام، وهو عنده متصل عن همام وأبان كلاهما عن قتادة، وإنما أفردهما لكونه على شرطه في الأصول، بخلاف أبان فإنه على شرطه في المتابعات‏.‏

وأفادت رواية أبان تصريح قتادة بالتحديث عن عكرمة، وقد وقع مثله من رواية سعيد بن أبي عروبة المذكورة عند الإسماعيلي‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏سنة‏)‏ بالرفع خبر مبتدأ محذوف تقديره تلك سنة، وذلك في رواية عبيد الله بن موسى عن همام عند الإسماعيلي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ ثُمَّ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ اللَّيْثِ وَلَكَ الْحَمْدُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن‏)‏ كذا قال عقيل، وتابعه ابن جريج عن شهاب عند مسلم‏.‏

وقال مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن كما تقدم قبل بباب مختصرا، وكذا أخرجه مسلم والنسائي مطولا من رواية يونس عن ابن شهاب، وتابعه معمر عن ابن شهاب عند السراج، وليس هذا الاختلاف قادحا بل الحديث عند ابن شهاب عنهما معا كما سيأتي في ‏"‏ باب يهوى بالتكبير ‏"‏ من رواية شعيب عنه عنهما جميعا عن أبي هريرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يكبر حين يقوم‏)‏ فيه التكبير قائما، وهو بالاتفاق في حق القادر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم يكبر حين يركع‏)‏ قال النووي‏:‏ فيه دليل على مقارنة التكبير للحركة وبسطه عليها، فيبدأ بالتكبير حين يشرع في الانتقال إلى الركوع، ويمده حتى يصل إلى حد الراكع‏.‏

انتهى‏.‏

ودلالة هذا اللفظ على البسط الذي ذكره غير ظاهرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حين يرفع الخ‏)‏ فيه أن التسميع ذكر النهوض، وأن التحميد ذكر الاعتدال، وفيه دليل على أن الإمام يجمع بينهما خلافا لمالك، لأن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الموصوفة محمولة على حال الإمامة لكون ذلك هو الأكثر الأغلب من أحواله، وسيأتي البحث فيه بعد خمسة أبواب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عبد الله بن صالح عن الليث‏:‏ ولك الحمد‏)‏ يعني أن ابن صالح زاد في روايته عن الليث الواو في قوله ‏"‏ ولك الحمد‏"‏، وأما باقي الحديث فاتفقا فيه، وإنما لم يسقه عنهما معا وهما شيخاه لأن يحيى من شرطه في الأصول، وابن صالح إنما يورده في المتابعات وسيأتي من رواية شعيب أيضا عن ابن شهاب بإثبات الواو، وكذا في رواية ابن جريج عند مسلم ويونس عند النسائي، قال العلماء‏:‏ الرواية بثبوت الواو أرجح، وهي زائدة وقيل عاطفة على محذوف وقيل هي واو الحال قاله ابن الأثير وضعف ما عداه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم يكبر حين يهوى‏)‏ يعني ساجدا، وكذا هو في رواية شعيب، و ‏"‏ يهوى ‏"‏ ضبطناه بفتح أوله، أي يسقط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يكبر حين يقوم من الثنتين‏)‏ أي الركعتين الأوليين، وقوله‏:‏ ‏(‏بعد الجلوس‏)‏ أي في التشهد الأول‏.‏

وهذا الحديث مفسر للأحاديث المتقدمة حيث قال فيها ‏"‏ كان يكبر في كل خفض ورفع‏"‏‏.‏

*3*باب وَضْعِ الْأَكُفِّ عَلَى الرُّكَبِ فِي الرُّكُوعِ

وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ فِي أَصْحَابِهِ أَمْكَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب وضع الأكف على الركب في الركوع‏)‏ أي كل كف على ركبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو حميد‏)‏ سيأتي موصولا مطولا في ‏"‏ باب سنة الجلوس في التشهد ‏"‏ والغرض منه هنا بيان الصفة المذكورة في الركوع‏.‏

يقويه ما أشار إليه سعد من نسخ التطبيق‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ سَمِعْتُ مُصْعَبَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَبِي فَطَبَّقْتُ بَيْنَ كَفَّيَّ ثُمَّ وَضَعْتُهُمَا بَيْنَ فَخِذَيَّ فَنَهَانِي أَبِي وَقَالَ كُنَّا نَفْعَلُهُ فَنُهِينَا عَنْهُ وَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِينَا عَلَى الرُّكَبِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي يعفور‏)‏ بفتح التحتانية وبالفاء وآخره راء وهو الأكبر كما جزم به المزي وهو مقتضى صنيع ابن عبد البر، وصرح الدارمي في روايته من طريق إسرائيل عن أبي يعفور بأنه العبدي والعبدي هو الأكبر بلا نزاع، وذكر النووي في شرح مسلم أنه الأصغر، وتعقب، وقد ذكرنا اسمهما في المقدمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مصعب بن سعد‏)‏ أي ابن أبي وقاص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فطبقت‏)‏ أي ألصقت بين باطني كفي في حال الركوع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنا نفعله فنهينا عنه وأمرنا‏)‏ استدل به على نسخ التطبيق المذكور بناء على أن المراد بالآمر والناهي في ذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الصيغة مختلف فيها، والراجح أن حكمها الرفع، وهو مقتضى تصرف البخاري‏.‏

وكذا مسلم إذ أخرجه في صحيحه‏.‏

وفي رواية إسرائيل المذكورة عند الدارمي ‏"‏ كان بنو عبد الله بن مسعود إذا ركعوا جعلوا أيديهم بين أفخاذهم، فصليت إلى جنب أبي فضرب يدي ‏"‏ الحديث، فأفادت هذه الزيادة مستند مصعب في فعل ذلك، وأولاد ابن مسعود أخذوه عن أبيهم‏.‏

قال الترمذي‏:‏ التطبيق منسوخ عند أهل العلم لا خلاف بين العلماء في ذلك إلا ما روي عن ابن مسعود وبعض أصحابه أنهم كانوا يطبقون‏.‏

انتهى‏.‏

وقد ورد ذلك عن ابن مسعود متصلا في صحيح مسلم وغيره من طريق إبراهيم عن علقمة والأسود أنهما دخلا على عبد الله فذكر الحديث قال ‏"‏ فوضعنا أيدينا على ركبنا، فضرب أيدينا ثم طبق بين يديه ثم جعلهما بين فخذيه، فلما صلى قال‏:‏ هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

وحمل هذا على أن ابن مسعود لم يبلغه النسخ‏.‏

وقد روى ابن المنذر عن ابن عمر بإسناد قوي قال ‏"‏ إنما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مرة ‏"‏ يعني التطبيق، وروى ابن خزيمة من وجه آخر عن علقمة عن عبد الله قال ‏"‏ علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أراد أن يركع طبق يديه بين ركبتيه فركع، فبلغ ذلك سعدا فقال‏:‏ صدق أخي، كنا نفعل هذا ثم أمرنا بهذا ‏"‏ يعني الإمساك بالركب‏.‏

فهذا شاهد قوي لطريق مصعب ابن سعد‏.‏

وروى عبد الرزاق عن عمر ما يوافق قول سعد، أخرجه من وجه آخر عن علقمة والأسود قال ‏"‏ صلينا مع عبد الله فطبق، ثم لقينا عمر فصلينا معه فطبقنا، فلما انصرف قال‏:‏ ذلك شيء كنا نفعله ثم ترك ‏"‏ وفي الترمذي من طريق أبي عبد الرحمن السلمي قال ‏"‏ قال لنا عمر بن الخطاب‏:‏ إن الركب سنت لكم فخذوا بالركب ‏"‏ ورواه البيهقي بلفظ ‏"‏ كنا إذا ركعنا جعلنا أيدينا بين أفخاذنا، فقال عمر‏:‏ إن من السنة الأخذ بالركب ‏"‏ وهذا أيضا حكمه حكم الرفع لأن الصحابي إذا قال السنة كذا أو سن كذا كان الظاهر انصراف ذلك إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا سيما إذا قاله مثل عمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فنهينا عنه‏)‏ استدل به ابن خزيمة على أن التطبيق غير جائز، وفيه نظر لاحتمال حمل النهي على الكراهة، فقد روى ابن أبي شيبة من طريق عاصم بن ضمرة عن علي قال ‏"‏ إذا ركعت فإن شئت قلت هكذا - يعني وضعت يديك على ركبتيك - وإن شئت طبقت ‏"‏ وإسناده حسن، وهو ظاهر في أنه كان يرى التخيير، فإما أنه لم يبلغه النهي وإما حمله على كراهة التنزيه‏.‏

ويدل على أنه ليس بحرام كون عمر وغيره ممن أنكره لم يأمر من فعله بالإعادة‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ حكى ابن بطال عن الطحاوي وأقره أن طريق النظر يقتضي أن تفريق اليدين أولى من تطبيقهما، لأن السنة جاءت بالتجافي في الركوع والسجود، وبالمراوحة بين القدمين، قال‏:‏ فلما اتفقوا على أولوية تفريقهما في هذا واختلفوا في الأول اقتضى النظر أن يلحق ما اختلفوا فيه بما اتفقوا عليه، قال‏:‏ فثبت انتفاء التطبيق ووجوب وضع اليدين على الركبتين‏.‏

انتهى كلامه‏.‏

وتعقبه الزين بن المنير بأن الذي ذكره معارض بالمواضع التي سن فيها الضم كوضع اليمنى على اليسرى في حال القيام، قال‏:‏ وإذا ثبت مشروعية الضم في بعض مقاصد الصلاة بطل ما اعتمده من القياس المذكور‏.‏

نعم لو قال أن الذي ذكره ما صلى الله عليه وسلم يقتضي مزية التفريج على التطبيق لكان له وجه‏.‏

قلت‏:‏ وقد وردت الحكمة في إثبات التفريج على التطبيق عن عائشة رضي الله عنها، أورد سيف في الفتوح من رواية مسروق أنه سألها عن ذلك فأجابت بما محصله‏:‏ أن التطبيق من صنيع اليهود، وأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه لذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه، ثم أمر في آخر الأمر بمخالفتهم، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن نضع أيدينا‏)‏ أي أكفنا من إطلاق الكل وإرادة الجزء، ورواه مسلم من طريق أبي عوانة عن أبي يعفور بلفظ ‏"‏ وأمرنا أن نضرب بالأكف على الركب ‏"‏ وهو مناسب للفظ الترجمة‏.‏